س – لماذا عمر بن الخطاب حفظ سورة البقرة في 10 سنوات ؟
ج- بعض الناس يظنون بأن للأمر علاقة في الحفظ أو الفهم
أولاً :
لو أراد عمر بن الخطاب حفظ سورة البقرة كاملة في ساعتين لحفظها بدون أي عوائق ، وليست هذه صفة أو موهبة خاصة بِعمر ، بل هي عادة عقلية عند كل العرب في زمانه في باب سرعة حفظهم بالبديهة والتلقائية وبعيداً عن أي تكلف في الحفظ كما هي عادة جميع الناس قبل الإسلام وبعده
ثانياً :
سبب تأخر عمر بن الخطاب في حفظ سورة البقرة ، ليس لصعوبة حفظها ولا لأجل التطبيق العملي ( كما يظنون ) ولا لأجل التدبر والفهم ( كما يتصورون ) ولا تكاسلاً أو تسويفاً عن حفظها
ولكن لكون الأمر مرتبط بنزول الوحي متفرقاً ، حسب الأحداث والمواقف ، ومدة نزول الآيات المتفرقة ، لأن القرآن كان ينزل متفرقاً ، ليعالج قضايا الكفر والشرك والعقيدة وتأسيس دين التوحيد و مكافحة عادات الجاهلية وأمور كبيرة لها علاقة بتأسيس المعتقدات وتكريس مبادئ الشريعة
ولم يكن ضمن هذه القضايا المهمة ، قضايا الحفظ وكيفية الحفظ ، وطرق الحفظ ، ومشاكل النسيان ، لأن كل العرب ( كباراً و صغاراً رجالاً ونساء ) كانوا يحفظون بالتلقائية وبدون أي تدريب مسبق ، رغم أنهم أُميون لا يجيدون القراءة والكتابة
ومع ذلك كانوا يحفظون القصائد الطويلة المعقدة من أول مرة يسمعونها ، ولا يحتاجون إلى إعادة قراءتها بقصد الحفظ ، وهذا كله في الشعر الجاهلي الأكثر صعوبة على النطق وعلى الذهن
فما بالك بالقرآن السهل الذي يسره الله على كل البشر من عرب وعجم وجعله أفصح الكلام وأيسره ( ولقد يسرنا القرآن للذكر ) ( بلسان عربي مبين ) .
ثالثاً :
سورة البقرة لم تنزل دفعة واحدة فقد حفظها جميع الصحابة في عشر سنوات وليس عمر لوحده لكونها نزلت متفرقة واستمر نزولها 10 سنوات متكاملة
ولو نزلت عليهم سورة البقرة في ليلة لحفظوها في ليلة كما حصل مع عمر ومع الصحابة حين نزلت سورة الأنعام دفعة واحدة في ليلة واحدة فحفظوها كاملة من أول سماع ومن مرة واحدة وقت نزولها ولم يقولوا سنحفظها في سنوات طويلة
وكما حصل مع السور التي نزلت كاملة مثل ( سورة الأنعام والأعراف والتوبة والكهف والفتح والصف والمرسلات ) فقد نزلت كاملة فحفظوها من أول مرة ومن دون تكرار ولم يقولوا عن هذه السور الكاملة سنقطعها خمس آيات ، خمس آيات ، لكي نحفظها ونطبقها ونتدبرها ، لكونهم يعلمون أن الحفظ هو أول درجات العمل بالقرآن وهو من العلم النافع الذي حث عليه الإسلام بشدة
رابعاً :
أما عن الفهم والتدبر والتفسير ووووو إلخ
فهذه درجات علمية بعضها فوق بعض ، وبعضها أعمق من بعض
ومن أرادها دفعة واحدة ضاعت منه دفعة واحدة لأن العلم يؤخذ بالتدرج ،والعلم درجات كثيرة وأول درجاته الحفظ .
خامساً :
لو كان الفهم يجب أن يكون مع الحفظ في ذات الوقت لما تعب حفاظ الصحابة وهم يتعلمون الفهم والتفسير عند كبار علماء الصحابة بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
سادساً :
لم يقل لهم أحد من علماء الصحابة بأنهم تسرعوا في حفظهم للقران كاملاً قبل فهمه وتفسيره وتدبره وتطبيقه .
لأنهم علموا بالبديهة واليقين ، بأن الفهم الكامل والتطبيق العملي يأتِ تباعاً للحفظ ، كدرجة ثانية وثالثة وليس في ذات وقت الحفظ لكون التطبيق العملي لكل القرآن يعد من التشدد على النفس وهو منهي عنه في الإسلام ومذموم فعله ( إن هذا الدين يسر فأوغلوا فيه برفق ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) ( ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ) .
الخلاصة :
أولاً :
استدلال البعض بهذه القصة حين يسمعون عن أحد حفظ القرآن كاملاً في مدة وجيزة هو استدلال سطحي يدل على ضحالة التفكير والقصة في وادي والاستدلال في وادي آخر
ثانياً :
لو افترضنا ان فهمك للقصة صحيح فذاك يعني أنه لا ينبغي أن يُحفظ القران لا في سنة ولا في سنتين وإنما في 23 سنة ولا ينبغي أن تُحفظ سورة البقرة لا في شهر ولا شهرين وإنما في 10 سنوات لكي نفعل كما فعل عمر (تأسياً ) وهذا الفهم مضحك وسخيف .
ثالثاً :
إن قصدت بهذه القصة الفهم والتدبر فهو أيضاً فهم خاطئ وسقيم وفي غير محله ، وإلا لكان من الممنوع على جميع العجم حفظ القرآن بحجة أنهم لا يفهمون القرآن وتفسيره ولا يجيدون تطبيقه
رابعاً :
إن قصدت بهذه القصة التطبيق العملي لكل القرآن فهذا جنون وخيال ولن تجد على كوكب الارض حافظاً واحداً طبق كل القرآن ولو بحثت في تاريخ المسلمين فلن تجد أحداً استطاع تطبيق كامل القرآن لوحده
خامساً :
الفلسفة الزائدة تدل على التكاسل العقلي وعلى ضعف الهمة والعزيمة
للتذكير :
شاهد المقال بعنوان ( الحفظ السريع الذي يعرفه الصحابة)